سورة الإنسان - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الإنسان)


        


{فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14)}
{وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً} النضرة: التنعم. وهذا في مقابلة عبوس الكافر. وقوله: وقاهم ولقاهم من أدوات البيان {بِمَا صَبَرُواْ} أي بصبرهم على الجوع وإيثار غيرهم على أنفسهم، حسبما ذكرنا من قصة علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم وقد ذكرنا الأرائك {لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً} عبارة عن اعتدال هوائها أي ليس فها حر ولا برد، والزمهرير هو البرد الشديد، وقيل: هو القمر بلغة طيء، والمعنى على هذا أن للجنة ضياء فلا يحتاج فيها إلى الشمس ولا القمر {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا} معناه أن ظلال الأشجار متدلية عليهم قريبة منهم، وإعراب دانية معطوف على متكئين، وقال الزمخشري: هو معطوف على الجملة التي قبلها وهي: لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً، لأن هذه الجملة في حكم المفرد تقديره: غير رائين فيها شمساً ولا زمهريراً ودانية، ودخلت الواو للدلالة على أن الأمرين يجتمعان لهم، أي جامعين بين البعد عن الحر والبرد وبين دنو الضلال، وقيل: هو صفة لجنة عطف بالواو كقولك: فلان علام وصالح. وقيل: هو معطوف عليها أي وجنة أخرى دانية عليهم ظلالها {وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً} القطوف جمع قطف وهو العنقود من النخل والعنب، وشبه ذلك، وتذليلها هو أن تتدلى إلى الأرض، ورُوي أن أهل الجنة يقطعون الفواكة على أي حال كانوا من قيام أو جلوس أو اضطجاع، لأنها تتدلى لهم كما يريدون، وهذه الجملة في موضع الحال من دانية، أي دانية في حالة تذليل قطوفها أو معطوفة عليها.


{وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19)}
{بِآنِيَةٍ} هي جمع إناء ووزنها أفعلة وقد ذكرنا الأكواب في الواقعة {قَوَارِيرَاْ} القوارير هي الزجاج، فإن قيل: كيف يتفق أنها زجاج مع قوله من فضة؟ فالجواب: أن المراد أنها في أصلها من فضة وهي تشبه الزجاج في صفائها وشفيفها، وقيل: هي من زجاج، وجعلها من فضة على وجه التشبيه لشرف القضة وبياضها، ومن قرأ قواريرَ بغير تنوين فهو عل الأصل ومن نوّنه فعلى ما ذكرنا في سلاسل {قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً} هذه صفة للقوارير والمعنى قدّروها على قدر الأكف أو على قدر ما يحتاجون من الشراب، قال مجاهد: هي لا تغيض ولا تفيض، وقيل: قدروها على حسب ما يشتهون، والضمير الفاعل في قدّروها يحتمل أن يكون للشاربين بها أو للطائفين بها {مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً} هو كما ذكرنا في مزاجها كافوراً {سَلْسَبِيلاً} معناه سلسل منقاد الجرية، وقيل: سهل الانحدار في الحلق، يقال: شراب السلسل وسلسال وسلسبيل بمعنى واحد. وزيدت الباء في التركيب للمبالغة في سلاسته، فصارت الكلمة خماسية، وقيل: سل فعل أمر سبيلاً مفعول به وهذا في غاية الضعف {وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ} ذكر في الواقعة {لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً} شبههم باللؤلؤ في الحسن والبياض، وبالمنثور منه في كثرتهم وانتشارهم في القصور.


{وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (22) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (24) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25)}
{وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ} مفعول رأيت محذوف ليكون الكلام على الاطلاق في كل ما يرى فيها، وثم ظرف مكان، وقال الفراء: تقديره إذا رأيت ما ثم فما مفعوله ثم حذفت، قال الزمخشري: وهذا خطاب لأن ثمَّ صلة لما، ولا يجوز حذف الموصول وترك الصلة {وَمُلْكاً كَبِيراً} يعني كثرة ما أعطاهم الله، حتى إذا أدنى أهل الجنة منزلة له مثل الدنيا وعشرة أمثاله معه، حسما ورد في الحديث وقيل: أراد أن الملائكة تسلم عليهم، وتستأذن عليهم، فهم بذلك كالملوك {عَالِيَهُمْ} بسكون الياء مبتدأ خبره {ثِيَابُ سُندُسٍ} أي ما يعلوهم من الثياب ثيابُ سندس، وقُرئ عالِيَهم بالنصب على الحال، من الضمير في يطوف عليهم أو في حسبتهم. وقال ابن عطية: العامل فيه لقَّاهم أو جزاهم، وقال أيضاً يجوز أن ينتصب على الظرف لأن معناه فوقاهم، وقد ذكرنا معنى السندس والإستبرق وقرئ {خُضْرٌ} بالخفض صفة لسندس وبالرفع صفة لثياب {وَإِسْتَبْرَقٌ} بالرفع عطف على ثياب، وبالخفض عطف على سندس {وحلوا} وزنه فعلوا معناه جعل لهم حلي {أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ} ذكرنا الأساور في الكهف، فإن قيل: كيف قال هنا أساور من فضة، وفي موضع أساور من ذهب؟ فالجواب: أن ذلك يختلف باختلاف درجات أهل الجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما» فلعل الذهب للمقربين، والفضة لأهل اليمين، ويتحمل أن يكون أهل الجنة لهم أساور من فضة ومن ذهب معاً {شَرَاباً طَهُوراً} أي ليس بنجس كحمر الدنيا. وقيل معناه: أنه لم تعصره الأقدام، وقيل معناه لا يصير بولاً {إِنَّ هذا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً} أي يقال لهم هذا يقوله الله تعالى والملائكة {آثِماً أَوْ كَفُوراً} أو هنا للتنويع، فالمعنى لا تطع النوعين، فاعلاً للإثم ولا كفوراً، وقيل: هي بمعنى الواو أي جامعاً للوصفين لأن هذه حالة الكفار، ورُوي أنه الآية نزلت في أبي جهل، وقيل: أن الآثم عتبة بن ربيعة، والكفور الوليد بن المغيرة، والأحسن أنها على العموم، لأن لفظها عام، وإن كان سبب نزولها خاصاً {بُكْرَةً وَأَصِيلاً} هذا أمر بذكر الله في كل وقت، وقيل: إشارة إلى الصلوات الخمس، فالبكرة صلاة الصبح، والأصيل الظهر والعصر، ومن الليل المغرب والعشاء.

1 | 2 | 3